فهي شنشنة قديمة من يوم سار ركب الأنبياء بنور ، حين يعجز أهل الكفر عن نقض الرسالة يوجهون سهامهم لحاملي الرسالة - صلوات وسلامه عليهم أجمعين-.
والعجب العجاب الذي يأخذ بالألباب أن أحداً ممن عاصروا النبي محمداً - صلى عليه وسلم - لم يتكلم فيه بما يسوؤه... لم نسمع أن أحداً ممن عادوه كذَّبه، أو أن أحداً رماه بالزنا والفحش، أو أن أحداً قال عنه ما يقال اليوم.. أو شيئاً منه. مضى الجيل الذي عاصر النبي - صلى عليه وسلم - وهو يشهد له بأنه الصادق الأمين، ووقف اليهود له بكل طريق كي يسجلوا عليه خطأً يقدح في نبوته وما استطاعوا. بل أقروا رغماً عنهم.. أنطقتهم فِعَاله.
أقول: كانت إحدى الأدلة على إثبات نبوة محمد - صلى عليه وسلم - هي الاستدلال بأخلاقه قبل البعثة النبوية وبأحواله بين الناس، وتدبر قول - تعالى - وهو يخاطب المكذبين لمحمد - صلى عليه وسلم-: 'قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ' (سبأ: 46).'وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ' (التكوير: 22).'مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى' (النجم: 2).
يقول أهل العلم: عبّر بلفظ صاحبكم ولم يستخدم أي لفظ آخر ليقول لهم أنه هذا محمد - صلى عليه وسلم - الذي صحبتموه وعرفتموه معرفة الصاحب بصاحبه، فلا جنون، ولا ضلال، بل صادق أمين كما سميتموه.
رأته أعرابية عجوز في الصحراء وهو مطارد تتبعه قريش ومن معها يوم الهجرة فقالت في وصفه، وهي لا تعرفه: أبهى الناس وأجملهم من بعيد وأحسنهم من قريب غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً،
وأحسنهم قدا، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا لأمره، محفود محشود. وصدق حسان:
أحسن منك لم تر قط عيني وخير منك لم تلد النساء
خلقت مبرئا من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
والسؤال: من أين أتى من يسخرون اليوم ويتهكمون على الحبيب - صلى عليه وسلم - بكلامهم هذا؟ قوم لا يعرفون العربية... ولا يحسنون قراءة القرآن.. وقد شهد له أعداؤه قبل محبّيه... ومضى بخير سيرة عرفتها البشرية. ثم يقولون كان نبيكم وكان... من أين؟؟إنه الحسد ليس إلا ..
هل جهلوا أوصاف نبينا. لا و . فنبينا ولد في الشمس وعاش بين الناس، وخبره موصول إلينا بأوثق الطرق وآكدها. نعرف عنه كل شيء... يعرف أحدنا عن محمد - صلى عليه وسلم - ما لا يعرفه عن أبيه . فكيف تنكرون صفاته؟.
لا تَعجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُهَا تجاهُلا وَهوَ عينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
ما بي من طاقة للكلام عن أخلاق النبي - صلى عليه وسلم - فو كلما هممت بالكتابة عن خلق رأيت أن الكلمات تشينه لا تزينه، وأن كلماتي أقل من أن تعبر عن أوصاف الحبيب، ولكن دونكم الكتب. فقط أردت أن أبين لكل من يقرأ أن من يتكلمون عن الحبيب - صلى عليه وسلم - إنما يغرفون من وعاهم، ولا سند لهم ممن عاصروا محمداً - صلى عليه وسلم - ونبينا كل الكمال، وجملة الجمال صلى عليه وسلم.